موضوع: فضل العشر الأوائل من ذي الحجة الجمعة نوفمبر 20, 2009 5:53 pm
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد .. ففي الحديث الذي رواهالطبراني قال صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعلأحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً"، وعشر ذي الحجة من مواسم الخير التيينبغي على المسلم أن يتعرض فيها لنفحات رحمة الله عز وجل وذلك بالإكثار من العملالصالح في هذه الأيام من صيام وقيام وقراءة القرآن، وتسبيح وتهليل واستغفار .
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد -من علماء المملكة السعودية-:
من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة التيفضّلها الله تعالى على سائر أيام العام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلىالله عليه وسلم قال : " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذهالأيام العشر . قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ،إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء " أخرجه البخاري 2/457 .
وعنه أيضاً رضي الله عنهما عن النبيصلى الله عليه وسلم قال : ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خيريعمله في عشر الأضحى " قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيلالله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " رواه الدارمي 1/357وإسناده حسن كما في الإرواء 3/398 .
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيامالسنة من غير استثناء شيء منها ، حتى العشر الأواخر من رمضان . ولكنّ ليالي العشرالأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، وبهذايجتمع شمل الأدلة . أنظر تفسير ابن كثير 5/412
واعلم - يا أخي المسلم - أن فضيلة هذه العشر جاءت من أموركثيرة منها :
1-أن الله تعالىأقسم بها : والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه ، قال تعالى : ( والفجروليال عشر ) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف : إنها عشرذي الحجة . قال ابن كثير : " وهو الصحيح " تفسير ابن كثير8/413
2-أن النبي صلى الله عليه وسلم شهدبأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدّم في الحديث الصحيح .
3-أنه حث فيها على العمل الصالح : لشرف الزمان بالنسبة لأهلالأمصار ، وشرف المكان - أيضاً - وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام .
4-أنه أمر فيها بكثرة التسبيحوالتحميد والتكبير كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى اللهعليه وسلم قال : " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيامالعشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " . أخرجه احمد 7/224 وصحّحإسناده أحمد شاكر .
5-أن فيهايوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين ،وفي العشر أيضا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق وهو يوم الحجّالأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره .
6-أن فيها الأضحية والحج . في وظائف عشر ذي الحجة : إن إدراك هذا العشر نعمة عظيمة مننعم الله تعالى على العبد ، يقدّرها حق قدرها الصالحون المشمّرون . وواجب المسلماستشعار هذه النعمة ، واغتنام هذه الفرصة ، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد منالعناية ، وأن يجاهد نفسه بالطاعة . وإن من فضل الله تعالى على عباده كثرة طرقالخيرات ، وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لعبادة مولاه .
فمن الأعمال الفاضلة التي ينبغيللمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة : 1-الصيام: فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأنالنبي (صلى الله عليه وسلم) حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضلالأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : " قال الله : كل عملبني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري 1805
وقد كان النبي eيصوم تسع ذي الحجة .فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كانالنبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر .أول اثنين من الشهر وخميسين " أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني فيصحيح أبي داود 2/462 .
2-التكبير :فيسن التكبيروالتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر . والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقاتوكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى . ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة قالالله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهممن بهيمة الأنعام ) الحج : 28 . والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشرلما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر ) ، وصفةالتكبير : الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، وهناكصفات أخرى .
والتكبير في هذاالزمان صار من السنن المهجورة ولا سيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين ، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرةرضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ،والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبيرالجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع .
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليهقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجرمثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ) أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسنلشواهده.
3-أداء الحج والعمرة:إن من أفضل ما يعمل فيهذه العشر حج بيت الله الحرم ، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه علىالوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج : (المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
4-الإكثار منالأعمال الصالحة عموما:لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزمعِظَم ثوابه عند الله تعالى . فمن لم يمكنه الحجّ فعليه أن يعمر هذه الأوقاتالفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبرالوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخيروسبل الطاعة
5-الأضحية: ومن الأعمال الصالحة في هذا العشرالتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل اللهتعالى .
6-التوبة النصوح :ومما يتأكد في هذا العشرالتوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب . والتوبة هي الرجوع إلىالله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً ندماً على ما مضى ، وتركا في الحال ،وعزماً على ألا يعود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى .
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصيةأن يبادر إلى التوبة حالاً بدون تمهل لأنه
أولاً : لا يدري في أي لحظة يموت ثانياً : لأنّ السيئات تجر أخواتها . وللتوبة في الأزمنة الفاضلةشأن عظيم لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير فيحصل الاعترافبالذنب والندم على ما مضى . وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان ، فإذا اجتمعللمسلم توبة نصوح مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح إن شاء الله .قال تعالى : ( فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين ) القصص : 67 .
فليحرص المسلم على مواسمالخير فإنها سريعة الانقضاء ، وليقدم لنفسه عملا صالحاً يجد ثوابه أحوج ما يكونإليه : [ فإن الثواب قليل ، والرحيل قريب ، والطريق مُخْوِف ، والاغترار غالب ،والخطر عظيم ، والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمآب ( فمن يعمل مثقال ذرةخيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة ، فمامنها عِوَضٌ ولا تُقدَّر بقيمة ، المبادرةَ المبادرةَ بالعمل ، والعجل العجل قبلهجوم الأجل ، وقبل أن يندم المفرّط على ما فعل ، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجابإلى ما سأل ، قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل ، قبل أن يصير المرءمحبوسا في حفرته بما قدَّم من عمل . والله أعلم